تحول  النفط  المورد الطبيعي المادي إلى شتيمة وهذه اللغة في التعاطي مع النفط قديمة لكن  تصاعدت هذه النبرة ليس على مستوى الشعب والجماهير فقط بل أصبحت متداولة بين العرب على صعيد الفكر والسياسة خاصة بعد الثورات العربية وقد يكون للتيارات الشبابية الحق في العدائية للسعودية وبالتالي العدائية  لقوتها لأكبر النفط بسبب وقوفها المضاد للثورات أو المتحفظ في أفضل الحالات . أيضا من الأسباب القديمة للنقمة على نفط الخليج استخدامه لشراء الذمم و باعتباره سبب الفساد والتبعية ولطالما لعب دور في عرقلة  الخيار التقدمي العربي .أو لأنه سبب ترف المواطن الخليجي الذي ما كان العربي يراه إلا بهيئة سائح مبذر  باحث عن متع محروم منها كالجنس والخمر وبسبب توافد  العمالة المتزايدة للاستفادة من الثروة  وتعرضها لسوء معاملة.

 لكن المأخذ هنا هو تحميل النفط جميع مشاكل و ويلات الأمة  العربية وحتى صار النفط سبب رئيس في  انحطاط الفن والذوق !  ويتم أحياناً تصوير النفط أنه أساس الشرور وكأن الحال كان في أحسن حالاته قبل النفط كأنه لم تكن هناك قوى عربية فتكت ببعضها قبل أن يكون  لدول النفط قوة مؤثرة .

و تحول الموضوع من مجرد نقد سوء استخدام النفط ونقد مظاهر الترف المبالغ فيها إلى سب واستنقاص  شعوب الخليج وتمني زوال نعمة النفط أو التعاطي مع الخليج وكأنه نفط فقط  وأن الخليجي بلا نفط لا شيء وأصبح الخليجي عندما  يحصل على جائزة عربية في أي مجال من المجالات في موضع شك حتما أنه حصل عليها بالرشوة أو محاباة .تصاعدت هذه اللغة حتى كاد الخليجي يعتذر عن وجود النفط على أرضه  .

اذكر هنا عدة نقاط  قد تعطي رؤية أكثر إنصاف للنفط  أولاً الانفتاح الاقتصادي مثلا في مصر كان خيار الدولة المصرية بعهد السادات بعد عهد عبد الناصر كان السادات يرغب بالخروج من سيطرة  القطاع العام والانفتاح الاقتصادي  ورفع شعار التنمية بدل الثورة والتكييف مع اقتصاديات السوق بدلا من جمود احتكار القطاع العام فأرسى دعائم تبعية مصر لمركز النظام الرأسمالي العالمي وامتداداته في العالم العربي وهذا ما فتح على مصر كل مظاهر الاستهلاك وتحويل كل شيء لمجرد أداة للكسب المادي .

النقطة الثانية سوء استخدام النفط ليس حكر على منطقة الخليج توفر النفط لنظم ثورية جماهيرية مثل العراق والجزائر وليبيا  لم ينتج ذلك تحسن نوعي لصالح الجماهير بحجم الثروة النفطية اغلبها بددت على الإنفاق العسكري وعلى رجال السلطة وكثير من الثروات العربية  تبددت سواء  نفط أو ماء أو أثار  وإن كنا مع  مبدأ المحاسبة والحرص على الثروات العربية جميعها ولكن  لماذا فقط نقد  تبديد ثروة نفط الخليج يمتد لشتم شعوبه  والتقليل من شأن الخليجي و أنه غير أهل لهذه الثروة بلغة استعلاء .

النقطة الثالثة إنكار استفادة الدول العربية من النفط طرح غير دقيق  وان كان المأمول أكبر لكن  الإنكار لأي فوائد للنفط خارج حدود الخليج  موقف غير منصف , ففوائض النفط بعد عام 1973 م خاصة وفرت  رأس المال للتنمية في الدول النفطية والدول غير النفطية عن طريق الدعم أو الاستثمار المباشر أو عن طريق تحويلات العمالة العربية الوافدة في بلدان الخليج  مثلاً في  عام 1980 م فاقت قيمة تحويلات المصريين العاملين في الخارج ثلاث مليارات سنويا هذه القيمة  تفوق قيمة دخل مصر من السياحة ومن قناة السويس ومن صادرات النفط مجتمعة . وطبعا ما يحصل عليه العامل هو نتيجة جهده وفائدة متبادلة لكن الإشارة هنا لمن  ينكر  أي فائدة اقتصادية  للنفط  .

النقطة الرابعة ما ينقده العرب من سوء استخدام النفط وتبعاته تم انتقاده من الداخل من مفكرين وكتاب خليجين لم  تعميهم رفاهية النفط  وواجبهم الوطني والعربي جعلهم يكتبون و تعرضوا لكثير من المضايقة من حكوماتهم لكن استمروا بالنقد للإصلاح و التقويم  مثل الكاتب  خليفة  الكواري في قطر وعبد الله النفيسي في الكويت وعبد الله الطريقي وغيرهم كثير .

 

 أخيراً الخليجي موجود قبل النفط , كما يقول الشاعر عبد العزيز العجلان :  ( أنا هنا ,,,قبل بئر النفط كنت هنا

قبل البدايات .. قبل الريح والحقب ). واتى النفط وحفره أجدادنا بأيديهم وبذلوا الكثير لمحاربة استحواذ الشركات الأجنبية  قال د.محمد جابر الأنصاري أبي (شارك في حفر أول بئر نفط بالبحرين لإضاءة قناديل العالم بينما لم أجد إلى أخر دراستي الثانوية مصباح كهربائي واحد ادرس في ضوئه ) .

النفط ثروة مادية وطنية شارك الأجداد في استخراجه وما يرتكبه الحكام  مستخدمين قوته ليس لشعوبهم  ذنب فيه , وليس هناك داعي  لإنكار نعيم النفط  أو الاعتذار عن وجوده . الخليجي مستمر  ويزداد وعيه و انتقاده  لسوء استخدام النفط  , لكن هذا لا يمنع لفت  النظر  لأي لغة تحيد عندما تنتقد  .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات : 6

 

رقصة الفالس مع بشير

تحت هذا الأسم الغريب فلم  من انتاج اسرائيلي فرنسي  ألماني ( انميشن ) اثار ضجة وردود فعل مختلفة بعد عرضة عام 2008

بداية الفلم عن شخصية اسرائيلي اسمه ( بوز)  يعاني من كابوس مستمر 26 كلب تهاجمه , ويذهب ليشكي لصديق هذا الحلم المتكرر الذي يقول انه ربما يتعلق بتجربته السابقة وهي مشاركته في الحرب على لبنان واجتياح مخيم صبرا وشاتيلا عام 82 م شخصية ” بوز” الذي تعاني من الكابوس لا يتذكر اشياء كثيره عن حرب لبنان فيلجأ لزملائه في الجيش ليروي كل شخص منهم ما حدث اثناء الحرب .

الافت هو ردود الافعال حول الفلم بعضها رأت أن الفلم  منصف للعرب وأظهر معاناتهم  و بين جوانب من الجريمة التي حصلت في مخيم صبرا وشاتيلا خاصة أن الفلم  انتهى بعرض مشاهد حقيقية لضحايا المجزرة بينما يرى الطرف المعارض للفلم ان الاصل في الفلم اظهار ان الجنود الصهاينة يشعرون بالذنب وانهم هم ضحايا لاضطرارهم لخوض حروب وهم في سن صغير ومعاناتهم من عقدة الذنب وما هذا الفلم الا مجرد تطهير لشعورهم بالذنب وتلميع صورتهم لدى الغرب , وان اختيار صبرا وشاتيلا بالذات لإظهار ان هناك من هو ابشع من الصهاينة وهم حزب الكتائب المسيحية الذين اجتاحوا فعليا المخيمات وقتلوا الفلسطينيين بينما يظهر الفلم ان الجنود  اليهود مجرد متفرجين ويعلق جندي لزميله نحن  نلقي القنابل المضيئة فوق المخيمات ولكننا لا نقتل  .

من مشاهدتي للفلم لا اميل للرأي المؤيد تماما والمحتفي به ولا انا مع الرافض له جملة وتفصيلا ففي الفلم اشارات مهمة جدا فكما هناك  اشارات تبرر وتحاول تظهر العدو الصهيوني كضحية هناك اشارات تدينه .

فمن المشاهد  التي تظهر الاسرائيلي كضحية حوار  بين (بوز) و احد اصدقاءه حيث يقول له ربما هذه الكوابيس سببها ما شهدته ايام معتقلات النازية وليس بسبب حربنا على بيروت العودة باليهودي الى مربع الضحية,  ايضا اظهار ان بوز في بداية اقتحام المخيم اوكل اليه مهمة قتل الكلاب التي تحرس المخيم لأنه لا يستطيع قتل البشر اشارة الى انسانية هؤلاء الجنود الصهاينة .

لكن من الرمزيات التي وجدتها تميل لكفة انصاف العربي والفلسطيني تصوير مشهد جنود إسرائيليين بكامل عدهم وعتادهم  خائفين من الرصاص بينما يعلق احد شخصيات الفلم بينما الفلسطينيين واللبنانيين نسائهم واطفالهم يشاهدون منظر القصف وكأنهم يتفرجون على فلم سينمائي رأيت أن  هذا المشهد اعتراف بشجاعة العرب وجبن اليهود رغم اسلحتهم , قد يقرأ شخص اخر هذا المشهد  بطريقة عكسية ان المقصود أن العرب مشاعرهم  متبلدة فيخفف ذنب الاساءة لهم او ان التعذيب والتهجير قضاء مقدر لهم . أحد النقاد علق ان الفلم يظهر الجنود الإسرائيليين كأشخاص لهم مشاعرهم وانسانياتهم بينما يظهرون العرب كجماعة كطيف من البشر لا يتم التركيز على ملامحهم كأنهم شيء وليسوا كبقية البشر.

من المشاهد التي شدتني جداً  زيارة بطل الفلم  لأحد اصدقائه  المشاركين في اقتحام المخيمات اسمه (كارمي) المهاجر لهولندا فيسأله عن   ثروته الضخمة فيجيبه انه كونها من بيع (الفلافل ) لم اقرأ هذا المشهد الا رمزية ان اليهود والصهاينة تمادى سطوهم على الهوية و التراث وليس الأرض فقط.  

بكل الأحوال الفلم جدير بالمشاهدة لأن هذا النوع من الأفلام يشجع على إعادة  القراءة والبحث عن احداث مهمة مثل هذه  المجزرة فمثلاً من الأشياء المؤلمة أن  المجزرة التي ارتكبها حزب الكتائب بغطاء اسرائيلي كانت بحجة أن الفلسطينيين هم من اغتال بشير الجميل تبين بعد ذلك ان من اغتاله هو اللبناني حبيب الشرتوني الناشط بالحزب القومي السوري وصرح حبيب بانه باغتيال الجميل يطبق ما ينص عليه الدستور اللبناني القاضي بإعدام كل من يتعامل مع دولة أجنبية لتهديد الأمن الداخلي اللبناني  ,وكذلك تبين الوثائق بحسب كتاب ( اسرار الحرب اللبنانية ) لالان منيارغ أن مجزرة صبرا وشتيلا كان مخطط لها من قبل اغتيال الجميل .

اعدت مشاهدة الفلم بعد موت المجرم ارييل شارون الذي نعرف اسمه جيدا ويعرفها اهالي الشهداء والمعتقلين ولكن المهم معرفة الأسماء العربية  المتورطة في المجزرة:  فؤاد ابي ناظر الذي طالب الإسرائيليين بتزويده بجرافات ليحول مخيمات الفلسطينيين لحديقة حيوانات تنفيذ لرغبة بشير الجميل , وكذلك فادي افرام القائد العام الذي تولى تنفيذ المهمة وايلي حبيقة .

من الأمور المضحكة المبكية التي عرفتها بعد هذا الفلم الوثائقي أنه بعد المجزرة اقيم محكمة عسكرية اسرائيلية غرمت لواء الجيش الاسرائيلي 10 قروش لأنه اسيء فهم اوامره ! وسمي الحكم بقرش شدمي لشدة ما به سخرية واستخفاف بقيمة الدماء العربية .

 ويستمر الرقص مع بشير وشخصيات عربية آخرى …

 

 

صدرت مؤخراً أوامر ملكية  لتعديل مواد في نظام مجلس الشورى , وكانت أهم هذه  الأوامر تعديل المادة الثالثة التي تنص  أن لا يقل تمثيل المرأة عن 20 % من عدد أعضاء المجلس وهكذا  لأول مره تدخل المرأة السعودية  مجلس الشورى  .

 

و على نفس الوتر (مجلس الشورى ) حلق قبل أسابيع المغردون عبر ( تويتر) ,وكتبوا  تحت وسمين #نحو مجلس شورى منتخب و #مجلس شورى منتخب تصدر كل وسم تيار مع أن الفكرة في البدء كان يحضر لها أشخاص من تيار معين  ثم سبقهم للكتابة  التيار الآخر كمناكفة ,قد تكون هذه حادثة عابرة لا تستحق تذكر لكنها امتداد لمسلسل طويل من تيار متشدد يتوجس من الإصلاح ,لكنه إذا رأى خطاب منافس بدأ يشكل  قاعدة جماهيرية تهدد حضوره سارع باللحاق ومحاولة تصدر منصات التعبير وتناول المواضيع الحساسة .

 

وبين ” نحو مجلس شورى منتخب ” و”مجلس شورى منتخب” أرى أن السبيل هو  -فهم – أفضل لصلاحيات مجلس الشورى أولاً   هذا لأني  رأيت  الشباب السعودي يشارك برأيه في الأحداث السياسية العربية  والخليجية ويفهم مثلا في إجراءات إعادة حل مجلس الأمة و نظام الانتخاب بصوت واحد أو أربعة أصوات و أمور معقدة  لكنه محلياً لا يعرف إلا انه يريد مجلس منتخب فقط لم أرى بحسب متابعتي إلا عدد قليل كان يناقش ويكتب عن وعي  بالإجراءات السياسية  ربما السبب في ذلك هو  الشعور بـ ( اللاجدوى) التي  تجعل الشاب السعودي لا يهتم بتفاصيل إجراءات وقوانين المجلس أو غيره  لذلك يحب تفاصيل الأخبار السياسية للدول الأخرى التي يرى  فيها ديناميكية و اخذ ورد بين الحكومات والمعارضة فيجد مادة دسمة تثير حماسه للبحث و إبداء الرأي .

ونتيجة عدم الاهتمام وعدم إدراك تفاصيل قوانين وطبيعة المجلس أصبحنا أمام فجوة  بين عمل المجلس وصلاحياته و آمال الشعب ,وسبب ذلك أمرين ضعف الوعي السياسي لدى الفرد السعودي والشق  الثاني ضعف جهود المجلس نفسه  في نشر  التوعية  وشرح أبعاد صلاحياته ,وحول ذلك  رأيت (تغريدة) لعضو مجلس الشورى الدكتور سعد البازعي  يقول ” في موقع مجلس الشورى نظام المجلس و قراراته وأعضاؤه,كثيرون يحكمون على المجلس دون أن يكلفوا أنفسهم عناء القراءة و البحث ” ووضع رابط الموقع www.shura.gov.sa

لا يوجد كلمة بريئة في السياسة

 

بعد ثورات الربيع العربي زادت متابعة رجل الشارع للأخبار واهتمامه بالشأن العام  , و كثر النقاش و تحليل   المستجدات  ,وعلق بعض نشطاء الشبكات الاجتماعية على ذلك  أن من شهد الثورات العربية كأنه أخذ دورة مكثفة في العلوم السياسية  . ولكن المتابعة وحدها لا تكفي هذا الاهتمام من الجميل أن  يرافقه وعي  أو إطلاع   على تحليل الخطاب الإعلامي السياسي.وأساليب تحليل رسائل وسائل الإعلام كما  قسمها  البروفسور آرثر برجر في كتابه ( أساليب التحليل الإعلامي ) هي:  التحليل السيميولوجي و الماركسي و النقد التحليلي النفسي و التحليل السيسولوجي .وما يهم هنا هو التحليل السيميولوجي , والسميولوجية بمعناها العام  هي علم فك شفرة الرموز , و يستخدم كمنهج في مجالات كثيرة منها الأدب و  استخدامه  في  الإعلام يكون بتحليل المعاني من خلال  دلالة اللغة والصور  باعتبار اللغة عبارة عن شفرات لكل شفرة دلالة . و كتب د. محمد شومان بحث عن إشكاليات  تحليل الخطاب في الدراسات الإعلامية العربية   بدأ الدراسة باستعراض التطور الذي وصلت له الدراسات الأجنبية من الأربعينيات  و تنوعها بين تحليل إيديولوجي و تحليل ثقافي و تحليل الخطاب الاجتماعي الإدراكي بينما في الدراسات العربية لا زالت الدراسات الإعلامية تتركز على تأثير المواد الإعلامية على الجمهور, ودراسات تحليل المضمون قليلة جداً واغلبها تحلل الخطاب بصفة كمية أي تحويل النص إلى هيئة أرقام تُعبر عن  تكرار الكلمة  وهكذا بدون تحليل للسياق و الخلفية لاختيار مفردات النص متجاهلين رأي  علماء اللغة وتحليل النص بان اختيار الكلمات ليس بريئاً و لا يحدث بطريقة عشوائية ولكل مفردة قصد . دراسة د. شومان تشير للتقصير في مجال تحليل المضمون الكيفي  للخطاب السياسي  . بينما يرى الدكتور أسامة المشاقبة أن الدراسات التي تستخدم المنهج الكمي هي أكثر دقة  لأن  المنهج  الكيفي قد يخضع لانطباعات الباحث الخاصة فيقع في الخطأ , و أظن أن د شومان لا يقلل من أهمية استخراج النسب الكمية ولكنه يحاول الإشارة لإهمال جانب مهم و هو  التحليل الكيفي .

 وقد يستغرب الكثير  حشر اللغة  في غير مجالات الأدب وخاصة عالم السياسة و عن  ذلك تقول  توجان فيصل ” من الشائع ربط اللغة بالأعمال الأدبية إلا أن أخطر توظيفاتها هي في صياغة القوانين و الاتفاقيات و القرارات . لأن في هذا  ترتيب لحقوق أفراد و أوطان , وبسبب خطأ بسيط تأتي خسائر كارثية ” و تضرب مثل على ذلك ما ورد في أحد القرارات الدولية التي تخص القضية الفلسطينية وما فيها من تناقض بين النص الانجليزي و العربي وهو أما خطأ متعمد أو فخ العبارة  هي    ” أرض مقابل السلام ”  و يمكن أن تأتي في الإنجليزية بدون – ال – التعريف أي أرض  مقابل السلام وهذا فارق لعبت إسرائيل به عند تطبيق القرار باعتبار أن أرض  تعني أية ارض . و للدكتور عبد السلام المسدي كلام مهم و ممتع  سواء للمختص أو للقارئ  ليستأنس بمعلومة حول استخدام اللفظ في الأخبار السياسية و مدلولاته  اخترت من كتابه ( تأملات سياسية )  أبرز الأمثلة  وهو يوجه حديثة للقائم بالاتصال ليدلل على ما يترتب على انتقاء الكلمات من عواقب  ,و للمتلقي  ليساعده على تحليل  ما وراء الخبر كتب المسدي انه في  الانتفاضة الفلسطينية عام 2000م   أعلنت المقاومة أن يوم الجمعة هو”يوم الغضب “,و بعد تواتر الأحداث , وازدياد الضحايا أعلنت المقاومة بعدها بشهر عن ” يوم غضب” بدون ال التعريف  مرسلة بذلك إشارة   للعدو  انه لم يعد يوم واحداً  للغضب و إنما سيستمر . ويربط المسدي تسمية اقتحام الجيش الأمريكي  لمدينة الفلوجة بـ” عملية الفجر ” و  تسمية  عملية القبض على صدام حسين بـ ” الفجر الأحمر ”  ويقول أن هذا   الربط بين مدينة الفلوجة ذات الأغلبية  السنية و الرئيس المخلوع العراقي ذي المذهب السني بنفس اللفظ فيه  إغاظة لم ينتبه لها الإعلام العربي. ومن الانقسام على اللفظ للدلالة على ذات الحدث يقول عن تسمية  غزو   صدام  للكويت أن من قال  “دخول الجيش العراقي إلى الكويت ” دلالة  على انه يميل لتأيد  صدام, ومن قال ” غزو الكويت ” دل انه من أنصار تحرير الكويت . و في الحرب على العراق من استخدم كلمة ” المأساة العراقية ” مؤشر انه متعاطف مع النظام العراقي ومن استخدم عبارة ” القضية العراقية” تعني انه محايد والقضية فيها  رأي و رأي مقابل لذلك اختار الكويتيون لفظ ” الحالة العراقية ” التي  توحي بانعدام  الرابطة الذاتية بين المتحدث و الموضوع المُعبر عنه . وعندما نجد وسيلة إعلامية تسمي قضية معينة ” ملف ” مثل ملف القضية الفلسطينية فمعناه أنها تولي أهمية  ومتابعة خاصة  و مستمرة  لهذا الحدث . وعن ذكاء العدو الإسرائيلي  وعدم عشوائيته في اختيار مفاهيم لغرسها وتبرير أفعاله نرى تسميته لحرب الأيام الستة ما هي إلا تسويق إسرائيلي على أساس تشبهها بالنبي يوشع عندما شن حرب الأيام الستة على أعدائه  فهم يختارون من الموروث الديني لتبرير الحرب ضد الفلسطينيين . وفي ظل حرب الإعلام في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كتب سلام عبود عن اللغة والعنف : دور الكلمة في الخطاب الإعلامي أن إسرائيل تستخدم كلمة (ناشط) عندما تقتل أي فلسطيني لأن هذه الكلمة    تحمل شحن سلبي كون معناها في اغلب اللغات الأوربية يتجاوز حدود الانتماء إلى جماعة إلى كون الشخص مستعد لتنفيذ أي فعل لأجل الجماعة وبهذا التعبير فإن  قتل هذا الناشط ليس مُبرر فحسب بل يعطي قاتله براءة قانونية , وهذا يعني أن إسرائيل لا تقتل إلا من يستحق القتل بالضبط مثلما تسمي أمريكا قنابلها بالقنابل الذكية فهي تعرف الأبرياء ولا تقتلهم وتتوجه للقصاص من المجرمين وبذلك تغرس مفهوم أنها دولة الإنسانية والحريات . و تستخدم إسرائيل أيضاً  لفظ آخر يحمل دلالة  نفسية سلبية أكثر من( ناشط ) وهو لفظ (المطلوب) ولا تحدد مطلوب  لمن ولا لماذا وحين يُقتل فإن يد العدالة قتلته و الأمر لا يحتاج توضيح أكثر من ذلك , ويقول عبود بأسى أن بعض وسائل الإعلام العربية تمتص هذه التعبيرات وترددها بدون تمحيص ودراسة أبعادها النفسية.ومن جملة الأمثلة المؤلمة لتعاطي الصحف العربية و نقلها من الغرب  ما نشرته عن  إعلان  المحكمة العسكرية الأمريكية أنها حكمت على مجند أمريكي بالسجن لمدة مائة عام لأنه اغتصب صبية عراقية  و احتفت الصحف العربية بهذا الخبر و اعتبرته دليلاً على عدالة  أمريكا بينما الإعلام الأوربي عندما نشر الخبر  لم يتوقف عند كلمة مائة عام بل أوضح لمتلقيه كجزء من واجب الإعلام المهني أن العقوبة في التطبيق قد تقتصر على عشر سنوات أو اقل لأن هذه الأحكام تراعي عدة أمور. و من أمثلة تحيز الصحافة الغربية لإسرائيل ومحاولتها تغييب الوعي العربي عنوان كتبته صحيفة سويدية  ” عودة التوتر إلى الشرق الأوسط ” وهذا  الاختيار ليس بريء فتوظيف  هذا اللفظ واضح لتضييع فلسطين  وجعلها شي مجهول  يقع  على رقعة جغرافية واسعة تمتد من باكستان للبنان , و لكن حين تنفجر قنبلة في إسرائيل فانه يُذكر اسم الحي والشارع واسم القتيل  فتتحول القضية الفلسطينية لقضية الشرق الأوسط في استخدام لغوي يهدف لتنظيف الذاكرة من أي مرجعية تربط الفلسطيني بأرضه المعينة على الخرائط  بحيث يغدو ابن الشرق الأوسط كما يريده الإسرائيلي , ونحن وصحفنا نكرر بوعي وبدون وعي لمفردات العدو لغرس ما يحقق أهدافه  .

 واختم بعبارة سلام عبود ” لا يوجد في السياسة كلمة بريئة وأخرى اقل براءة : فالكلمة مرجعية تاريخية تختزن التجربة و تعيد إنتاجها في الوقت المناسب.”

وكلما كان المتابع غافل عن  استعمال  اللفظ , سهل على العدو غزو وعيه النفسي و  تحكم في  ردات فعله كما يريد .

………..

نشر هذا المقال في موقع ايلاف

http://www.elaph.com/Web/opinion/2012/6/742170.html

التعليقات : 2

 

 

 

 

 

 

 

وقعت  الثورات هذا العام  بالعالم العربي تباعاً في تونس ومصر وليبيا ولا تزال مشتعلة  بسوريا واليمن . و  كان لها تأثير كبير على جميع الأصعدة سياسية ,و اقتصادية , واجتماعية ,فخرج الخبير  الاقتصادي ليتحدث عن اثر هذه الثورات على الاقتصاد عارضاً  الأرقام والتحليلات , وخرج المفكر ليحاول تقديم قراءة للحدث ومقارنة تاريخية مع ثورات سابقه, حتى الفن: الموسيقى,والأفلام تأثرت بهذه  الثورات .

سوق الكتب أيضا تأثر بهذه الأحداث , ما كان ممنوع أصبح مسموح ودور النشر تغيرت حساباتها .

نبدأ في تونس حيث مهد الثورات ,المعروف عن تونس قوة القبضة الأمنية وكثرة الكتب الممنوعة وخاصة الدينية حتى أن بعض أصحاب دور النشر في معرض تونس الدولي للكتاب من شدة الرقابة يعتذرون عن الحضور  . أول كتاب ظهر بعد الثورة, وكان  القراء  يحجزوا نسخهم ليحصلوا عليه  كتاب بالفرنسية ” سيدة قرطاجة ” للكاتبين (نيكولا بو و غرايسي) يتحدث عن فساد  وتجاوزات( ليلى الطرابلسي)  زوجة الرئيس  . الكتاب مهم جداً وفريد   لأنه ظهر في ظل صمت غربي  عن فساد بن علي كما صرحت  مؤلفة الكتاب  الصحافية كاترين غرايسي وعلقت ” أن سبب صمت الغرب عن بن علي أنه نجح في تجفيف منابع الحركات الإسلامية في تونس”! , وَتعرض الكتاب بعهد بن علي لحظر شديد حتى المواقع الالكترونية التي تعرضه تُحجب, ومن يقتبس منه من الصحفيين يُوقف ويحاسب, ورفعت( ليلى الطرابلسي)قضية قدح وذم في فرنسا ضد الكاتبين لكن القضية  رُفضت .