صدرت مؤخراً أوامر ملكية  لتعديل مواد في نظام مجلس الشورى , وكانت أهم هذه  الأوامر تعديل المادة الثالثة التي تنص  أن لا يقل تمثيل المرأة عن 20 % من عدد أعضاء المجلس وهكذا  لأول مره تدخل المرأة السعودية  مجلس الشورى  .

 

و على نفس الوتر (مجلس الشورى ) حلق قبل أسابيع المغردون عبر ( تويتر) ,وكتبوا  تحت وسمين #نحو مجلس شورى منتخب و #مجلس شورى منتخب تصدر كل وسم تيار مع أن الفكرة في البدء كان يحضر لها أشخاص من تيار معين  ثم سبقهم للكتابة  التيار الآخر كمناكفة ,قد تكون هذه حادثة عابرة لا تستحق تذكر لكنها امتداد لمسلسل طويل من تيار متشدد يتوجس من الإصلاح ,لكنه إذا رأى خطاب منافس بدأ يشكل  قاعدة جماهيرية تهدد حضوره سارع باللحاق ومحاولة تصدر منصات التعبير وتناول المواضيع الحساسة .

 

وبين ” نحو مجلس شورى منتخب ” و”مجلس شورى منتخب” أرى أن السبيل هو  -فهم – أفضل لصلاحيات مجلس الشورى أولاً   هذا لأني  رأيت  الشباب السعودي يشارك برأيه في الأحداث السياسية العربية  والخليجية ويفهم مثلا في إجراءات إعادة حل مجلس الأمة و نظام الانتخاب بصوت واحد أو أربعة أصوات و أمور معقدة  لكنه محلياً لا يعرف إلا انه يريد مجلس منتخب فقط لم أرى بحسب متابعتي إلا عدد قليل كان يناقش ويكتب عن وعي  بالإجراءات السياسية  ربما السبب في ذلك هو  الشعور بـ ( اللاجدوى) التي  تجعل الشاب السعودي لا يهتم بتفاصيل إجراءات وقوانين المجلس أو غيره  لذلك يحب تفاصيل الأخبار السياسية للدول الأخرى التي يرى  فيها ديناميكية و اخذ ورد بين الحكومات والمعارضة فيجد مادة دسمة تثير حماسه للبحث و إبداء الرأي .

ونتيجة عدم الاهتمام وعدم إدراك تفاصيل قوانين وطبيعة المجلس أصبحنا أمام فجوة  بين عمل المجلس وصلاحياته و آمال الشعب ,وسبب ذلك أمرين ضعف الوعي السياسي لدى الفرد السعودي والشق  الثاني ضعف جهود المجلس نفسه  في نشر  التوعية  وشرح أبعاد صلاحياته ,وحول ذلك  رأيت (تغريدة) لعضو مجلس الشورى الدكتور سعد البازعي  يقول ” في موقع مجلس الشورى نظام المجلس و قراراته وأعضاؤه,كثيرون يحكمون على المجلس دون أن يكلفوا أنفسهم عناء القراءة و البحث ” ووضع رابط الموقع www.shura.gov.sa

وهنا  لا  ادعوا لفهم ما يجري داخل المجلس والسماع من أعضاءه من أجل  التماس الأعذار لهم بالضرورة ,ولكن حتى نعرف كيف ننتقدهم ومن ننتقد بالضبط و من المتسبب بالبعد بين المجلس وهموم الشعب , حتى نكون  أكثر إنصافاً ولنستمر  بالضغط للإصلاح من الداخل لأن من يقرأ تجربة المجلس من نشأته  لتطور أنظمته   يرى أن الضغط  يأتي بنتيجة بعيد عن السوداوية ,و الانتقاد الحاد  بدون تحليل الأمور ومحاولة إيجاد حلول .

 

 

نعود للمجلس  الذي من المفترض أن يكون مشابه  خاصة بعد أن  أعيد تحديثه عام 92م  البرلمانات أو مجالس الشيوخ آو اللوردات في الدول الأخرى بمعنى أن تكون مهمته حماية حقوق الشعب والرقابة على أداء الأجهزة الحكومية , ولكن المجلس جاء مُعين وليس مُنتخب وهذا ليس العائق الكبير بقدر أن  قراراته غير ملزمة ,ولا يملك صلاحيات رقابية ,ومن أمثلة قصور صلاحيات المجلس الرقابية أنه يكتفي بالنظر في التقارير السنوية التي تعدها المؤسسات العامة نفسها بدون لجان رقابية من المجلس على تلك المؤسسات  . ولكن  يظل المجلس ككيان  الشكل الشبة المكتمل في البلد والأقرب لن أقول  لتمثيل الشعب  لكنه الأمثل لمد جسر بين تطلعات الشعب و قرارات الحكومة لذلك لابد التركيز على إصلاحه  و أول خطوه هي الوعي بأنظمته لأن قلة الوعي بحدود صلاحياته  يجعل الكثير  يحمله أحياناً مسؤوليات ليست في نطاق عمله  ,ويُعزى إليه فشل بعض الإجراءات وهو بالأساس لا يملك الصلاحية في إيقاف أو إصدار نظام معين وكل  نطاق عمله استشاري . و إلقاء اللوم على غير أهله هو في مصلحة المُتسبب الفعلي  في تعطيل الإصلاح .

 

 وهنا أستعرض دراسة مهمة  لثمانية أعضاء سابقين للمجلس بعنوان (مجلس الشورى قراءة في تجربة تحديثه ) (لزهير السباعي و زياد السديري وصالح المالك وعبدا لرحمن الجعفري وعبد الرحمن الشبيلي وعبدا لعزيز النعيم وفالح الفالح ومحمد الشريف)  هذه الدراسة أجدها جيدة لفهم أين الخلل وتعطي أمل في تطور أداء المجلس ونجاحه في انتزاع الصلاحيات و إن كان بشكل طفيف مثل  تعديل المادة(23) الذي حدث عام 2003م , وهو إعطاء المجلس صلاحية النظر في اقتراح نظام جديد أو تعديل نظام نافذ حيث كان المجلس قبل ذلك ينظر فقط فيما يُحال إليه من مجلس الوزراء فقط  وتعديل المادة (17) التي تعالج عدم التوافق بين رأي مجلس الوزراء مع ما يصدر من مجلس الشورى من قرارات  ففي نصها القديم كان الأمر يعود للملك ( رئيس مجلس الوزراء) و التعديل الذي حصل على المادة هو أن يعاد الأمر إلى مجلس الشورى لتدارس محل الاختلاف ثانية في جلساته أو مع مجلس الوزراء بحيث يكون رفعه للملك مسألة لاحقة في حال استمرار الخلاف .

ألقت الدراسة الضوء على أهم عائق لتطور المجلس وهو التداخل  بين سلطتي مجلس الشورى و مجلس الوزراء خاصة فيما يتصل بمفهوم السلطة التنظيمية  حيث المفترض أن تتركز هذه السلطة في يد مجلس الشورى ولا يأتي فصل وحل لهذه المشكلة إلا بإعادة صياغة النظام الأساسي  للحكم على وجه يؤكد أن مجلس الشورى هو السلطة التنظيمية ( التشريعية ) ومجلس الوزراء هو السلطة التنفيذية ,ومن عوائق تحقيق هذا الفصل بين السلطات كما ذكرت الدراسة أنه لا يوجد في السعودية  محكمة تشابه ( المحاكم الدستورية العليا ) التي تراقب فصل السلطات و يكون لها صلاحية تفسير الأنظمة الرئيسية ( النظام الأساسي للحكم , مجلس الوزراء, مجلس الشورى , مجالس المناطق ) .

 وعن نظرة أعضاء مجلس الوزراء ومساندتهم لمجلس الشورى يقول الكُتاب أنها  تتراوح   بين أعضاء يدعمونه و يساندونه خاصة من سبق لهم عضوية مجلس الشورى و أعضاء يسعون للالتفاف على قراراته و تجميدها ويقترح القائمون على الدراسة لتلافي مناورة الوزراء في التعامل مع مساءلة المجلس و إجبارهم على احترامه هو تعديل المادة (22) بما يتيح استدعاء أعضاء الحكومة مباشرة دون مرور طلب ذلك  إلى رئيس مجلس الوزراء .

 وأيضاً نقطة مهمة ذكرها القائمون على الدراسة تخص الالتفاف على مسؤليات المجلس  وهي إقرار إجازة سنوية جماعية لأعضائه  بموجب أمر ملكي  وبموجبه تُمنح الحكومة ( مجلس الوزراء) صلاحية البت خلالها بالأمور المستعجلة ومن ثم إحالة ذلك لمجلس الشورى لإبداء رأيه بعد عودته من الإجازة  وهذه الصلاحية تفتح الباب للالتفاف على دور المجلس إثناء عطلته السنوية .

و كانت  توصيات مؤلفي الكتاب واضحة من خلال واقع تجربتهم  وهي  أن المجلس  لن يقوم بدوره إلا بإقرار التالي :إلزامية قراراته ,وسلطة الرقابة على أداء الحكومة وعلى ميزانية الدولة لمعرفة كيفية توزيع الموارد , و التوصل لصيغة توافق بين الانتخاب و التعيين وعدم حرمان المرأة من المشاركة بالمجلس ويبدو انه تم تجاهل جميع المقترحات و الأخذ بأخفها وطأة على المستفيدين من احتكار القرار وهو تمثيل المرأة في المجلس.

 

 وفي محاولة للدراسة لتوضيح  ما حققه  المجلس  تم سرد بعض الانجازات التي أدت لتحسين  صناعة القرارات و الأنظمة  مثل فكرة فصل وزارة إلى وزارتين وإنشاء هيئات جديدة مثل هيئة الغذاء ولدواء و صندوق الموارد البشرية و صندوق دعم الصادرات وغيرها .

 

وهناك محور في الكتاب  تحدث عن عضوية المجلس وتقييم أداء الأعضاء و التخصصات الممثلة في المجلس  ومسألة العضوية بين الكفاية و التأهيل و بين الوجاهة الاجتماعية ,وأهم نقطة وردت في هذا الصدد أن المجلس بدأ بتعيين  60 عضو  ثم 90 ثم 120 إلى أن وصل إلى  150 عضو  ,ويرى القائمون بالدراسة أن هناك شعور بأن نسبة المجاملات في اختيار الأعضاء ارتفعت مع ازدياد عدد الأعضاء في كل دورة ويرون ان الجاري في المجالس المماثلة أن يقرر عدد الأعضاء بموجب اعتبارات سكانية ديموغرافية  و لا   يزداد العدد إلا بوجود متغيرات موجبة وان ينص على ذلك نظم الحكم والدساتير , و أنه لابد الفصل في أن يكون المجلس شوري أو تمثيلي فإذا كان الهدف أن يكون شوري فقط فإن عدد 60 شخص  كافي جداً .

وعن الفاعلية داخل  المجلس يقول الكتاب أنها  تتركز في أعضاء معينين وأنه لما  جاء الإجراء الذي  طبق في الدورة الرابعة وهو جعل المرات القصوى للتجديد مرتين أي ممكن بقاء العضو لمدة 12 سنة  لوحظ أن بعض الأعضاء الذي يتم دورتين يبدأ عطاءه بالتناقص وهذا ما ينعكس سلباً على أداء المجلس عموماً ,وعن الالتزام بحضور الجلسات جاء في إحصائية أجراها المجلس في دورته الثالثة أن نسبة حضور بعض الأعضاء المشغولين بارتباطات أعمالهم الخاصة قد تدنت إلى نحو 30 %  .

وعن الانتخاب و التعيين يرى المشاركون في الدراسة أن المزج بين الانتخاب و التعيين الذي تطبقه دولة عمان يمثل تدرجاً مناسباً لتطوير المشاركة السياسية في السعودية ,وان هذا يعتبر حل وسط يحقق التوفيق بين من يرى أن تعيين أهل الشورى حق لولي الأمر ولهم صفات معينة وبين من يرى ضرورة أن يكون المجلس ممثلاً  للناس ,ويمكن أن يتم الانتخاب بشكل مباشر أو يبدأ بفكرة أن تقدم مجالس المناطق ترشيحات من النخب المشهود لها  بالكفاية .

وتحتوي باقي  الدراسة على فصول مهمة لمن أراد التوسع  , ففيها تقييم لأداء  المجلس أداء القيادة الرباعية (الرئيس ونائبه و مساعده والأمين العام ), وتفصيل عن دوام المجلس  ومواعيد الجلسات وتفاعل المجلس مع الأزمات والأحداث الوطنية والعالمية الطارئة .

وتنتهي الدراسة بمحور التجارب الشخصية حيث كتب كل من المؤلفين الثمانية تجربته الخاصة على حدة .

كانت الدراسة تتمتع بسقف من الحرية والشفافية والتناول الموضوعي لتجربة المجلس , دراسة  تستحق الاطلاع عليها .

في النهاية : حتى يكون الانتقاد مؤثر وذو جدوى نحتاج للوعي أولاً .