تحول  النفط  المورد الطبيعي المادي إلى شتيمة وهذه اللغة في التعاطي مع النفط قديمة لكن  تصاعدت هذه النبرة ليس على مستوى الشعب والجماهير فقط بل أصبحت متداولة بين العرب على صعيد الفكر والسياسة خاصة بعد الثورات العربية وقد يكون للتيارات الشبابية الحق في العدائية للسعودية وبالتالي العدائية  لقوتها لأكبر النفط بسبب وقوفها المضاد للثورات أو المتحفظ في أفضل الحالات . أيضا من الأسباب القديمة للنقمة على نفط الخليج استخدامه لشراء الذمم و باعتباره سبب الفساد والتبعية ولطالما لعب دور في عرقلة  الخيار التقدمي العربي .أو لأنه سبب ترف المواطن الخليجي الذي ما كان العربي يراه إلا بهيئة سائح مبذر  باحث عن متع محروم منها كالجنس والخمر وبسبب توافد  العمالة المتزايدة للاستفادة من الثروة  وتعرضها لسوء معاملة.

 لكن المأخذ هنا هو تحميل النفط جميع مشاكل و ويلات الأمة  العربية وحتى صار النفط سبب رئيس في  انحطاط الفن والذوق !  ويتم أحياناً تصوير النفط أنه أساس الشرور وكأن الحال كان في أحسن حالاته قبل النفط كأنه لم تكن هناك قوى عربية فتكت ببعضها قبل أن يكون  لدول النفط قوة مؤثرة .

و تحول الموضوع من مجرد نقد سوء استخدام النفط ونقد مظاهر الترف المبالغ فيها إلى سب واستنقاص  شعوب الخليج وتمني زوال نعمة النفط أو التعاطي مع الخليج وكأنه نفط فقط  وأن الخليجي بلا نفط لا شيء وأصبح الخليجي عندما  يحصل على جائزة عربية في أي مجال من المجالات في موضع شك حتما أنه حصل عليها بالرشوة أو محاباة .تصاعدت هذه اللغة حتى كاد الخليجي يعتذر عن وجود النفط على أرضه  .

اذكر هنا عدة نقاط  قد تعطي رؤية أكثر إنصاف للنفط  أولاً الانفتاح الاقتصادي مثلا في مصر كان خيار الدولة المصرية بعهد السادات بعد عهد عبد الناصر كان السادات يرغب بالخروج من سيطرة  القطاع العام والانفتاح الاقتصادي  ورفع شعار التنمية بدل الثورة والتكييف مع اقتصاديات السوق بدلا من جمود احتكار القطاع العام فأرسى دعائم تبعية مصر لمركز النظام الرأسمالي العالمي وامتداداته في العالم العربي وهذا ما فتح على مصر كل مظاهر الاستهلاك وتحويل كل شيء لمجرد أداة للكسب المادي .

النقطة الثانية سوء استخدام النفط ليس حكر على منطقة الخليج توفر النفط لنظم ثورية جماهيرية مثل العراق والجزائر وليبيا  لم ينتج ذلك تحسن نوعي لصالح الجماهير بحجم الثروة النفطية اغلبها بددت على الإنفاق العسكري وعلى رجال السلطة وكثير من الثروات العربية  تبددت سواء  نفط أو ماء أو أثار  وإن كنا مع  مبدأ المحاسبة والحرص على الثروات العربية جميعها ولكن  لماذا فقط نقد  تبديد ثروة نفط الخليج يمتد لشتم شعوبه  والتقليل من شأن الخليجي و أنه غير أهل لهذه الثروة بلغة استعلاء .

النقطة الثالثة إنكار استفادة الدول العربية من النفط طرح غير دقيق  وان كان المأمول أكبر لكن  الإنكار لأي فوائد للنفط خارج حدود الخليج  موقف غير منصف , ففوائض النفط بعد عام 1973 م خاصة وفرت  رأس المال للتنمية في الدول النفطية والدول غير النفطية عن طريق الدعم أو الاستثمار المباشر أو عن طريق تحويلات العمالة العربية الوافدة في بلدان الخليج  مثلاً في  عام 1980 م فاقت قيمة تحويلات المصريين العاملين في الخارج ثلاث مليارات سنويا هذه القيمة  تفوق قيمة دخل مصر من السياحة ومن قناة السويس ومن صادرات النفط مجتمعة . وطبعا ما يحصل عليه العامل هو نتيجة جهده وفائدة متبادلة لكن الإشارة هنا لمن  ينكر  أي فائدة اقتصادية  للنفط  .

النقطة الرابعة ما ينقده العرب من سوء استخدام النفط وتبعاته تم انتقاده من الداخل من مفكرين وكتاب خليجين لم  تعميهم رفاهية النفط  وواجبهم الوطني والعربي جعلهم يكتبون و تعرضوا لكثير من المضايقة من حكوماتهم لكن استمروا بالنقد للإصلاح و التقويم  مثل الكاتب  خليفة  الكواري في قطر وعبد الله النفيسي في الكويت وعبد الله الطريقي وغيرهم كثير .

 

 أخيراً الخليجي موجود قبل النفط , كما يقول الشاعر عبد العزيز العجلان :  ( أنا هنا ,,,قبل بئر النفط كنت هنا

قبل البدايات .. قبل الريح والحقب ). واتى النفط وحفره أجدادنا بأيديهم وبذلوا الكثير لمحاربة استحواذ الشركات الأجنبية  قال د.محمد جابر الأنصاري أبي (شارك في حفر أول بئر نفط بالبحرين لإضاءة قناديل العالم بينما لم أجد إلى أخر دراستي الثانوية مصباح كهربائي واحد ادرس في ضوئه ) .

النفط ثروة مادية وطنية شارك الأجداد في استخراجه وما يرتكبه الحكام  مستخدمين قوته ليس لشعوبهم  ذنب فيه , وليس هناك داعي  لإنكار نعيم النفط  أو الاعتذار عن وجوده . الخليجي مستمر  ويزداد وعيه و انتقاده  لسوء استخدام النفط  , لكن هذا لا يمنع لفت  النظر  لأي لغة تحيد عندما تنتقد  .